فيلا العجمي { الحلقة التاسعة }
يمكنك قراءة بقية الحلقات من خلال هذا الرابط: حلقات رواية فيلا العجمي
ما أروعك يا جاسر
لم يصدق أحمد ما تراه عيناه ، وسأل نفسه هل أنا فى حلم ، وقد
تسّمر فى ماكنه ، وهو يسير بجوار جاسر .
لاحظ جاسر ذلك ، وقال له ما بك لما توقفت هكذا ؟
لم يرد عليه أحمد ، وعيناه تحدقان كالليث فى هؤلاء الجالسين على المنضدة التى أمامه ، وقال له جاسر : ما الذى إسترعى إنتباهك إلى هذا الحد .
قال له أحمد : فيما بعد سأقول لك كل شىء .. فيما بعد ..
وقال له وعيناه لا تزال محدقةً فى هؤلاء الجالسين : أين أصدقاؤك الذين سنتقابل معهم ؟
أشار له جاسر قائلاً : هاهم ، وأشار لإصدقائه ملوحا لهم بيده حتى يرونه ، وأشاروا إليه ، وكانت المفاجأة التى لم يكن أى أحد يتوقعها أو حتى تطوف بخياله كطيف عابر .
أنها نفس المنضدة التى كان ، ولا يزال أحمد يحدق بها ، وقال لجاسر : هيا بنا نذهب إليهم .
رد عليه جاسر قائلاً : ألن تقول لى ما الذى استوقفك هكذا..
فقال له : قلت لك سأخبرك فيما بعد ، والآن هيا بنا ، وبالفعل ذهبا الإثنان ، إلى أن وصلا إلى المنضدة ، التى يجلس عليها أصدقاء جاسر .
وبدأ جاسر فى السلام عليهم ، والضحك ، والنكات معهم ، وظل أحمد صامتاً . إلى أن قام جاسر بتعريفه إليهم ، وبدأ من على يمين المنضدة ، وكان أول الجالسين عليها .. بنت أسمها جيهان ، ثم هادى .
مد أحمد يده مصافحاً لجيهان ، وهادى ، واستمر جاسر فى التعريف بهم وقال له : هذه ماريانا ، ومد أحمد يده إليها ، وهو لايصدق ذلك المشهد الذى سكن عينيه ، وكأن الدنيا كلها قد أصبحت وجه حبيبته والتى لم يصدق أنها التى يراها أمامه الآن هى من قابلها فى محل الملابس ، والتى ظن الجميع ، وعلى رأسهم جاسر أنه لن يراها مرة أخرى .
فها هو حدسه قد صدق ، وتأكد يقين قلبه الذى قال له مراراً ، وتكراراً أنه سيراها مرة أخرى ، وها هى حبيبة قلبه ، ومليكته تسكن عينيه مرة أخرى ...
ها هى روح الفؤاد تجلس متربعة على عرش قلبه أمامه ، إنه لم يرها فقط بل يتعرف ، ويسلم عليها أيضاً ، وينظر فى عينيها ، وكانت هى أيضاً لاتصدق ما يحدث أمامها .
وكانت عيناها الجميلتان هى الأخرى ، تنظر إليه فى لهفة ، وشوق ، وهى تقول لنفسها : لقد صدقت يا قلبى، حينما قلت لى إننى سأراه مرة أخرى .
واستدرك أحمد أمر نفسه ، حتى لا يلاحظ أى أحد من الحضور أى شىء ، وأكمل جاسر باقى التعارف .
وقال له : فى فكاهة هذا البدين المكتظ اسمه رامز ، وهو يعد من أشيك سبعة رجال فى هولندا ، وتراه دائماً مرسوماً على علب المسلى فى إشارة ، ودعابة صريحة إلى سمنته المفرطة .
ضحك أحمد كثيراً لهذه الدعابة ، بالرغم من محاولة كتمان ضحكه ، حتى لا يسبب أى إحراج لرامز .
وأكمل جاسر التعارف بين أحمد ، وبين أصدقائه قائلاً :
هذا هو نادر الأخ الأصغر لماريانا ، و رامز .
وجيهان ، وهادى أبناء خالتهم ، وهنا تنفس أحمد الصعداء فمن كان يخشى أن يكون زوجها ، أو خطيبها اتضح أخيراً أنه أخوها ، وحمد الله على ذلك ، وشكره كثيراً فى نفسه .
استكمل جاسر التعارف قائلاً : هذا أحمد أخى ، وجارى ، وصديقى ، وزميل دراستى ، وهكذا اكتمل التعارف ، وجلس الجميع مرحبين بجاسر ،وصديقه أحمد الذى قال فى نفسه..
ما أروعك يا جاسر ، أه لو تعلم ماذا فعلت بى ..
أه لو تعرف أنك أنت الأن ، السبب فيما أشعر به من سعادة لا يمكن أن أصفها ...
لم أكن أتصور أنك أنت ، يا من كنت ترفض هذا الموضوع ، غير مقتنعاً به ، وتحاول إقناعى بنسيانه ، وتركه تصبح أنت السبب فى معرفتى بحبيبة قلبى ، حقاً ما أعجب صنائع القدر .
وظل أحمد ساكناً بحكم أنه ما زال جديداً على هؤلاء الأصدقاء ، وإن تلاقت عيناه مع عينيى ماريانا كثيراً، دون أن يشعر أحد بهم ، فقد كانت بينهم لغة لا يفهمها ولا يدركها سواهم .
كان كليهما فى شوق إلى الآخر ، وكانت قلوبهما متلهفة لأن تلتقى ، كم كانت سعادة ماريانا ، وأحمد برؤيتهما لبعضهما لا توصف .
ظل أحمد هكذا صامتاً هائماً فى حبيبته ، لا يتحدث مع أحد بل كان يتمنى ألا يتحدث مع أحد سوى ماريانا ، كان يريد أن يأخذها من هذا العالم إلى عالمه الخاص ..
حيث هو ، وهى فقط . فهو الذى كان يُمنّى نفسه برؤيتها ، فإذا به يجلس أمامها لا يفصله عنها سوى أمتار قليلة ..
كم كان يود أن يصّرح لها ، أنه أحبها منذ اللحظة التى رأى فيها عينيها ، وأنها لم تفارقه منذ هذه اللحظة .
حتى بدأت جيهان إبنة خالة ماريانا بالحديث مع أحمد ، وكانت هى أقرب من يجلس بجانبه ، حتى تتعرف عليه أكثر ، وأكثر فقد كان صمته الذى كان يعد من أحد أبرز سماته ، قد أحاطه بهالة من الغموض .
مما دفع فضول جيهان للحديث معه ، لكسر بعض من هذا الغموض وقد بدأ الجميع فى الإنصات للحديث ، الذى بدأ يدور بين أحمد ، وجيهان .....
********
ليلة لا تنسى
جيهان : أهلا بك يا أحمد .
أحمد : أهلا ، وسهلا أنا سعيد جداً بالتعارف عليكم .
جيهان : نحن أسعد هل تدرس مع جاسر بنفس الكلية ؟
أحمد : نعم فنحن فى السنة النهائية بكلية التجارة ، جامعة القاهرة ، هذا إلى جانب أننا جيران .
جيهان : واضح جدا قوة ، و متانة العلاقة بينكم .
أحمد : الحمد لله نحن أصدقاء ، وأخوة منذ الصغر .
جيهان : لكنى ألاحظ أن جسدك رياضى جداً ؟
أحمد : أنا أمارس رياضة الكونغ فو ، والسباحة ، وركوب الخيل .
جيهان : هذا رائع إذن يجلس معنا الآن بطل بمعنى الكلمة.
أحمد : أشكرك كثيراً على مجاملتك الرقيقة .
بدأت ماريانا تشعر بالغيرة من ابنة خالتها جيهان، ولاحظت أنها هى التى تنفرد بالحديث مع أحمد ، فى الوقت الذى لا تريد لأحد غيرها أن يتحدث معه سواها، ولذلك سارعت بسؤال أحمد .
ماريانا : منذ متى وأنت تمارس الرياضة ؟
أحمد : التفت إليها ، وكان هو أيضاً فى شوق ليحادثها ، ولسماع صوتها الذى كان بالنسبة له أعذب من صوت الكروان ، وينظر فى عينيها الساحرتين الجميلتين قائلا ً: منذ سبعة أعوام .
ماريانا : أنت بطل إذنً كما قالت جيهان .
أحمد : ( قائلاً فى نفسه ليتكى تريننى بطلاً بالفعل ياحبيبتى ) ثم قال لهم أشكركم جميعاً على هذه المجامالات الرقيقة .
ثم قال لماريانا : فى أى كلية تدرسين ؟
ماريانا : فى السنة الرابعة بكلية الفنون التطبيقية .
أحمد : أتمنى لك التوفيق ، والنجاح الباهر بإذن الله .
ماريانا : شكراً
تدخل رامز فى الحديث ، وقال : أنا فى السنة الثانية من كلية الفنون الجميلة .
أحمد : إذن نحن نَشرُف بوجود إثنين من كبار الفنانين معنا الآن . حقاً ما أسعدنى بهذا ، والتفت إلى نادر ، وقال له : وأنت يا نادر ماذا تدرس ؟
نادر : أنا بالصف الثانى الثانوى .
ثم نظر إلى جيهان قائلاً : وأنت يا جيهان ماذا تدرسين ؟
جيهان : أنا أدرس بكلية الآداب ، قسم لغة فرنسية بالفرقة الثانية .
أحمد : وأنت يا هادى ماذا تدرس ؟
هادى : كلية الصيدلة الفرقة الرابعة .
احمد : أتمنى لكم التوفيق جميعاً ، والنجاح دوماً بإذن الله.
وهكذا بدأ أحمد فى التأقلم مع حبيبته ، وأصدقائه شيئاً فشيئاً ، واستمر الأصدقاء فى تجاذب الحديث ، واحتساء المشروبات المثلجة حتى قرابة الساعة الواحدة صباحاً .
وإذا بجاسر يقول للجميع هيا بنا نذهب للمنزل . فالوقت قد أصبح متأخراً .
قال له رامز : مع حق ، هيا بنا وقام الجميع .
إلا أن أحمد كان يود فى قرارة نفسه ، أن يلكم جاسر فى وجهه من كثرة غيظه منه. فهو يعلم أن جاسر مثله لا ينام إلا بعد الفجر ، فكان يقول له فى قرارة نفسه : لماذا فعلت ذلك أيها التعس ؟
لقد كان يود أن لاتفارقه ماريانا أبدا..
فكم كان فى شوق إليها ..
كان لا يريد أن يتركها مرة أخرى ..
كما كانت ماريانا هى الأخرى ، لا تريد أن تتركه فقد كان شوق كل منهما للأخر يغلب عليهما . فقال لنفسه : ما باليد حيله ، صبراً يا جاسر حتى أنفرد بك ..
وقال لهم هيا بنا ، وإن لاحظت ماريانا ، أن الضيق يبدو واضحاً على قسمات وجهه كما لاحظ هو أيضاً ، ذلك الضيق الذى بدا ظهر على صفحة وجهها ، وقام معهم للذهاب للمنزل ، وهو لا يعلم أن غيظه وضيقه سينقلب فرحة ، و سرورا .....
********
تعليقات
إرسال تعليق